فصل: فصل في سوء القنية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في سوء القنية:

إذا فسد حال الكبد واستولى عليها الضعف حدث أولاً حال تكون مقدمة للاستسقاء تسمى سوء القنية وتخص باسم فساد المزاج.
فأولاً يستحيل لون البدن والوجه إلى البياض والصفرة ويحدث تهيّج في الأجفان والوجه وأطراف اليدين والرجلين.
وربما فشا في البدن كله حتى صار كالعجين ويلزمه فساد الهضم.
وربما اشتدت الشهوة وكانت الطبيعة من استمساكها وانحلالها على غير ترتيب.
وكذلك حال النوم وغشيانه تارة والسهر وطوله أخرى ويقلّ معه البول والعرق وتكثر الرياح ويشتد انتفاخ المراق وربما انتفخت الخصية وإذا عرض لهم قرحة عسر اندمالها لفساد المزاج ويعرض في اللثة حرارة وحكّة بسبب البخار الفاسد المتصعد ويكون البدن كسلاناً مسترخياً وقد تعرض حالة شبيهة بسوء القنية بسبب اجتماع الماء في الرئة وتصير سحنة صاحبه مثل سحنة المستسقي في جميع علاماته.
الاستسقاء مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء وتربو فيها إما الأعضاء الظاهرة كلها وإما المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء والأخلاط.
وأقسامه ثلاثة: لحمي ويكون السبب فيه مادة مائية بلغمية تفشو مع الدم في الأعضاء.
والثاني زقي يكون السبب فيه مادة مائية تنصب إلى فضاء الجوف الأسفل وما يليه.
والثالث طبلي ويكون السبب فيه مادة ريحية تفشو في تلك النواحي.
وللاستسقاء أسباب وأحكام عامة ثم لكل استسقاء سبب وحكم خاص وليس يحدث استسقاء من غير اعتلال الكبد خاصة أو بمشاركة.
وإن كان قد يعتلّ الكبد ولا يحدث استسقاء.
وأسباب الاستسقاء بالجملة إما خاصية كبدية وإما بمشاركة والأسباب الخاصية أولاها وأعمّها ضعف الهضم الكبدي وكأنه هو السبب الواصل.
وأما الأسباب السابقة فجميع أمراض الكبد المزاجية والآلية كالصغر والسدد والأورام الحارة والباردة والرهلة والصلبة المشددة لفم العرق الجالب وصلابة الصفاق المحيط بها.
والمزاجية هي الملتهبة.
ويفعل الاستسقاء أكثر ذلك بتوسّط اليبس أو البرودة.
وكل يفعل ذلك بتدريج من تحليل الغريزية أو بإطفائها دفعة أعني بالتحليل ههنا ما تعارفه الأطباء من أن الغريزة يعرض لها تحليل قليلاً قليلاً أو طفو كانا من حر أو برد كشرب الماء البارد على الريق وعقيب الحمام والرياضة والجماع والمرطبة المفرطة والمجففة بعد الذوبانات والاستفراغات المفرطة بالعرق والبول والإسهال والسحج والطمث والبواسير.
وأضر الاستفراغات استفراغ الدم.
وأما الآلية فقد قيل في باب كل واحد منها أنه كيف يؤدي إلى الاستسقاء.
وأما أسباب الاستسقاء بالمشاركة فإما أن تكون بمشاركة مع البدن كله بأن يسخن دمه جداً أو يبرد جداً بسبب من الأسباب أو يكون بسبب برد المعدة وسوء مزاجها وخصوصاً إذا أعقب ذرباً أو يكون بسبب الماساريقا أو يكون بمشاركة الطحال لعظمه ولأورام فيه صلبة أو لينة أو حارة أو كثرة استفراخ سوداء يؤدي إفراطه إلى نهك الكبد بما ينشر من قوة السوداء المتحركة إلى نهك الكبد وتبريدها أو إيصال أذاها إليه كما يوصل إلى الدماغ فيوسوس.
وعظم الطحال يؤدي إلى الاستسقاء وإلى تضعيف الكبد لسببين: أحدهما كثرة ما يجذب من الكبد فيسلبها قوتها والآخر لانتهاكه قوة الكبد على سبيل معاضدته لها ومنعه إياها عن توليد الدم الجيد وقد يكون بمشاركة الكلية لبرد الكلية أو لحرارتها خاصة أو لسدد فيها وصلابة فلا تجتذب المائية وإن كانت الكبد لا قلبة بها.
وقد تكون بسبب المعي وأمراضها وخصوصاً الصائم لقربه منها أو لأجل المثانة أو الرحم أو الرئة أو الحجاب.
وليس كل ما حدث بسبب مشاركة الكلية كان لمزاجها بل قد يكون لسددها وأورامها فلا يجذب وكذلك الحال فيما يحدث بمشاركة الأمعاء فإنه ليس كله يكون التغير حال الأمعاء في الكيفيات فقط بل قد يكون لأوجاع المعي من المغص والسحج والقولنج الشديد الوجع وغير ذلك فيضعف ذلك الكبد.
وكذلك يكون بمشاركة الرحم لا في كيفيتها بل بسبب أوجاعها واحتباس الطمث فيها.
وربما كان بمشاركة المقعدة لاحتباس دم البواسير وكذلك في الأعضاء الأخرى المذكورة.
وأكثر ما يشارك أعضاء الثفل بالتقعير وأعضاء الإدرار والنفس بالحدبة لكن أكثر المشاركات المؤدية إلى الاستسقاء هي المشاركات مع الكلية والصائم والطحال والماساريقا والمعدة.
قال بعضهم: قد يعرض الاستسقاء بسبب الأورام الحادثة في المواضع الخالية خصوصاً النازلة بسوء مزاجها المتعدّي إلى الكبد والضار بها وللدم السوداوي الذي كثيراً ما يتحقن فيها وتولّد السدد فيما يجاوره بالوصول إليه والذرب.
ويكون الأول مؤدباً إلى الاستسقاء بعد مقاساة ألم راسخ في نواحي الحقو لا يكاد ينحلّ بدواء واستفراغ.
وهذا كلام غير مهذب.
وأردأ الاستسقاء ما كان مع مرض حار.
ومن الناس من يرى أن اللحمي شرّ من غيره لأن الفساد فيه يعم الكبد وجميع عروق البدن واللحم حتى يبطل جمهور الهضم الثالث.
ومنهم من يراه أخف من غيره وحتى من الطبلي لكن الأولى أن يكون الزقي أصعب ذلك كله ثم من اللحمي ما هو أخف الجميع ومنه ما هو رديء جداً وذلك بحسب اعتبار الأسباب الموقعة فيه وفي ظاهر الحال وأكثر ما يخرجه التجربة.
ويجب أن تكون عامة أصناف اللحمي أخفّ وليس يجب أن تكون ضرورة أن يكون الكبد فيها من الضعف على ما هي عليه في سائر ذلك وأشدّ الناس خطراً إذا أصابه الاستسقاء هذا الذي مزاجه الطبيعي يابس فإنه لم يمرض ضد مزاجه إلا لأمر عظيم.
والاستسقاء الواقع بسبب صلابة الطحال أسلم كثيراً من الواقع بسبب صلابة الكبد بل ذلك مرجو العلاج وربما علّت مادة الاستسقاء حتى أحدثت الربو وضيق النفس والسعال.
وذلك يدل على قرب الموت في الأيام الثلاثة وربما غير النفس بالمزاحمة لا للبلة وهذا أسلم.
وربما حدث بهم بقرب الموت قروح الفم واللثة لرداءة البخارات وفي آخره قد تحدث قروح في البدن لسوء مزاج الدم.
وقيل أنه إذا أنزل من المستسقي مثل الفحم أنذر بهلاكه.
ومن عرض له الاستسقاء وبه المالنخوليا انحلّ مالنخوليا بسبب ترطيب الاستسقاء إياه.
واعلم أن الإسهال في الاستسقاء مهلك.
وصاحب الاستسقاء يجب أن يتعرّف أول ما انتفخ منه أهو العانة والرجلان أو الظهر وناحية الكليتين والقطن أو من المعي.
ويجب أن تكون طبيعته في اللين واليبس معلومة فإن كون طبيعته يابسة أجود منها لينة وخصوصاً في المبتدئ من القطن والكليتين والمبتدئ من القطن يكثر معه لين الطبيعة لارتداد رطوبات الغذاء منها إلى المعي واليبس في المبتدئ من قدام أكثر ويجب أن يتعرّف حال مواضع النبتة والعانة هل هي ضعيفة أو لحمية فاللحمية تدل على قوة وعلى احتمال إسهال وينظر أيضاً هل الصفن مشارك في الانتفاخ أو لبس وإذا شارك الصفن خيف الرشح والرشح معنّ معذب موقع في قروح خبيثة عسرة البرء.
سبب الاستسقاء الزّقي بعد الأسباب المشتركة: السبب بالواصل فيه أن تفضل المائية ولا تخرج من ناحية مخرجها فتتراجع ضرورة وتغيض إلى غير مغيضها الضروري إما على سبيل رشح أو انفصال بخار تحيله الحفن ماء لكثرة مادة أو لسدِّة من رفع تدفعه الطبيعة عن ضرره قاهرة في المجاري التي للفضول إلى فضاء البطن والخلاء الباطن فيه الذي فيه الأمعاء.
وأكثر وقوفها إنما هو بين الثرب وبين الصفاق الباطن لا يتخلل الثرب إلا لتأكّل الثرب.
وقد علمت أن الدفع الطبيعي ربما أنفذ القيح في العظام فضلاً عن غيرها.
وأما على سبيل انصداع من بعض المجاري التي للغذاء إلى الكبد فتتحلب المائية عندها دون الكبد وأما على سبيل ما قاله بعض القدماء الأولين وانتحله بعض المتأخرين أن ذلك رجوع في فوهات العروق التي كانت تأتي السرة في الجنين فيأخذ منها الغذاء والفوهات التي كانت تأتيها فيخرج منها البول فإن الصبي يبول في البطن عن سرته والمنفوس قبل أن يسرّ يبول أيضاً عن سرّته.
فإذا امتنع من ذلك الجانب انصرف إلى المثانة فإذا اضطرت السدد ومعاونة القوى الدافعة من الجهات الأخرى نفذت المائية في تلك العروق إلى أن تجيء إلى فوهاتها فإذا لم تجد منفذاً إلى السرة انفتقت البطن وانفتحت وصارت واسعة جداً بالقياس إلى خلقتها الأولى وانضمت المنافذ التي عند الحدبة فإنها ضيقة وأزيد ضيقاً من التي عند التقعر.
ولا يبعد أن يكون استفراغ المائية من البطن واقعاً من هذه الجهات.
والسبل يجذبها الدواء إلى الكبد ثم إلى الأمعاء.
وأسباب هذا السبب الواصل إما في القوّة المميزة وإما في المادة المتميزة وإما في المجاري.
أما السبب الذي في القوة المميزة فلأن التمييز مشترك بين قوة دافعة من الكبد وقوة جاذبة من الكلية فإذا ضعفتا أو إحداهما أو كان في المجاري سدة خصوصاً إذا كان في الكلية ورم صلب لم تتميز المائية ولم يقبلها البدن ولم تحتملها المجاري فوجب أحد وجوه وقوع الاسستقاء الزقي.
ولهذا قد يحدث الاستسقاء لضعف وعلة في الكلية وحدها.
وأما السبب الذي في المتميزة فأن تكون المائية كثيرة جداً فوق ما تقدر القوة على تمييزها أو تكون غير جيدة الانهضام.
والمائية تكون كثيرة جداً لشرب الماء الكثيرِ وذلك لشدة عطش غالب لمزاج في الكبد معطش أو لسبب آخر يعطش أو لسدد لا ينجذب معها إلى الكبد ما يعتد به فيدوم العطش على كثرة الشرب أو لأن الماء نفسه لا ينفع العطش لأنه حار غير بارد أو لأن فيه كيفية معطّشة من ملوحة أو بورقية أو غير ذلك.
وأما القسم الآخر فإذا لم يستو هضم الغذاء الرطب قبل البدن أو الكبد بعض الغذاء الرطب ورد بعضه فملأ المجاري فربما أدى إلى سبب من أسباب الاستسقاء الزقي المذكور إن غلبت المائية أو الطبلي إن غلبت الريحية وذلك في الهضم الثاني.
وأما السبب الذي في المجاري فأن تكون هناك أورام وسدد تمنع المائية أن تسلك مسالكها وتنفذ في جهتها بل تمنعها أو تعكسها إلى غير مجاريها.
وإذا دفعت الطبيعة من المستسقي مائية الاستسقاء بذاتها كان دليل الخلاص.
وفي أكثر الأوقات إذا نزل المستسقي عاد الانتفاخ في مدة ثلاثة أيام.
وفي الأكثر يكون ذلك من ريح.
قال أبقراط: من كان به بلغم كثير بين الحجاب والمعدة يوجعه فإنه إذا جرى في العروق إلى المثانة انحلّت علته عنه.
قال جالينوس: الأولى أن ينحدر البلغم إلى العانة لا إلى جهة المثانة وكيف يرشح إليها وهو بلغم ليس بمائية رقيقة.
وأقول: لا يبعد أن ينحل ويرق ولا يبعد أن يكون اندفاعه على اختيار الطبيعة جهة ما للضرورة أو يكون في الجهات الأخرى سبب حائل كما يدفع فتح الصدر في الأجوف إلى المثانة.
وأما هذا النفوذ فليس هو بأعجب من نفوذ القيح في عظام الصدر والذي قاله بعضهم أنه ربما عني بالبلغم المائية فهو بعيد لا يحتاج إليه.
وقد يعرض أن ينتفخ البطن كالمستسقي فيمن كان به قروح المعي ثم انثقبت ولم يمت إلى أن يموت.
ويكون لأن الثفل ينصبّ إلى بطنه ويعظم.
وهذا- وإن قاله بعضهم- عندي كالبعيد فإن الموت أسبق من ذلك وخصوصاً إذا كان الانخراق في العليا.
أسباب اللحمي بعد الأسباب المشتركة: السبب المقدّم فيه فساد الهضم الثالث إلى الفجاجة والمائية والبلغمية فلا يلتصق الدم بالبدن لصوقه الطبيعي لرداءته.
وربما كان المقدّم في ذلك الهضم الثاني أو الهضم الأول أو فساد ما يتناول أو بلغميته.
وإذا ضعفت الهاضمة والماسكة والمميزة في الكبد وقويت الجاذبية في الأعضاء وضعفت الهاضمة فيها كان هذا الاستسقاء.
وأكثره لبرد في الكبد نفسها أو بمشاركة.
وإن لم تكن أورام أو سدد تمنع نفوذ الغذاء ويكون كثير البرودة عروق البدن وأمراض عرضت لها وسدد كانت فيها من أكل اللزوجات والطين ونحوه.
وقد يكون بسبب تمكن البرد فيها من الهواء البارد الذي قد أثر أثراً قوياً فيها وقد يحدث بسبب حرارة مذيبة للبدن للأخلاط فإذا وقعت سدة لا يمكن معها انتفاض الخلط وأكثر هذا يكون دفعة والاختلاف ربما كان نافعاً جداً في اللحمي والطبيعة قد تجهد في أن تدفع الفضل المائي في المجاري الطبيعية وغير الطبيعية.
لكن ربما عجزت عن ذلك الدفع أو ربما سبق نفوذها غير الطبيعي في الوجوه المذكورة لسيلان دفع الطبيعة عليها وربما لم تقبلها المجاري وربما كانت الدافعة تدفعها إلى ناحية الكبد لأنها مائية من جنس ما يندفع إلى الكبد فإذا لم يقبلها الكبد وما يليها لضعف أو لكثرة مادة أو لأن البدن لا يقبلها بسبب سدد أو غير ذلك تحيّرت بين الدفعين.
قال أبقراط: من امتلأ كبده ماء ثم انفجر ذلك الماء إلى الغشاء الباطن امتلأ بطنه ومات.
قال جالينوس: يعني به النفّاطات الكثيرة التي تحدث على ظاهر الكبد وتجمع ماء فإنها إذا انفجرت وكانت كثيرة حصلت في الفضاء وقلما ينفذ في الثرب إلا لتأكل من الثرب في تلك الجهة.
قال: وهذا الماء كماء المستسقين وقد يستسقي من لا يموت بل يخرج ماؤه ويعيش إما بطبع أو علاج وكذلك لا يبعد في هذا أن يعيش.
وأنا أظن أنه يندر أو يبعد أن لا يموت لأن هذا الماء يكون أردأ في جوهره فيفسد في الفضاء ويهلك ببخاره ولأن الكبد منه يكون قد فسد صفاقها المحيط بها.
أسباب الطبلي: أكثر أسباب الطبلي فساد الهضم الأول لأجل القوّة أو لأجل المادة فإنها إذا لم تنهضم جيداً وقد عملت فيها الحرارة الضعيفة فعلاً ما غير قوي وكرهها البدن ومجّها كان أولى ما يستحيل إليه هو البخارية والريحية.
وربما كانت هذه المواد مواداً مطيّفة بنواحي المعدة والأمعاء وربما فعلت مغصاً دائماً لأن الحرارة غير المستعلية فعلت فيها تحليلاً ضعيفاً أحالها رياحاً وخصوصاً إذا كانت المعدة باردة رطبة فلم تهيئ لهضم الكبد ثم كان في الكبد حرارة ما تحاول أن تهضم شيئاً لم يعدّ بعد لهضمها.
وربما كان ذلك لحرارة شديدة غريبة في المعدة.
والكبد تبادر إلى الأغذية الرطبة ورطوبات البدن قبل أن يستولي عليها الهضم الذي يصدر عن الحرارة الغريزية فيفعل فيها فعلاً غير طبيعي فيحللها رياحاً قبل الهضم فيكون سبب الطبلي ضعف الهضم الأول وضعف الحرارة أو لشدة الحرارة المستولية التي لا تمهل ريث الهضم أو للأغذية.
وقد يعرض في الحميات الوبائية وفي كثير من آخر الأمراض الحادة انتفاخ من البطن كأنه طبل يسمع منه صوت الطبل إذا ضرب باليد وهو علامة رديئة جداً.
العلامات المشتركة: جميع أنواع الاستسقاء يتبعها فساد اللون ويكون اللون في الطحالي إلى خضرة وسواد وفي جميعها يحدث تهيج الرجلين أولاً لضعف الحرارة الغريزية ولرطوبة الدم أو بخاريته وتهيج العينين وتهيج الأطراف الأخرى وجميعها لا يخلو من العطش المبرح وضيق النفس.
وأكثره يكون مع قلة شهوة الطعام لشدة شهوة الماء إلا بعض ما يكون عن برد الكبد وخصوصاً عن شرب ماء بارد في غير وقته وفي جميعه وخصوصاً في الزقي ثم اللحمي يقل البول وفي أكثر أحواله يحمر لقلته فيجتمع فيه الصبغ الذي يفشو في الكثير.
وأيضاً لقلّته تميّز الدموية والمرة الحمراء عن البول فلا يجب أن يحكم فيه بسبب صبغ الماء وحمرته على حرارة الاستسقاء وتعرض لهم كثيراً حمّيات فاترة وكثيراً ما يعرض لهم بثور تتفقأ عن ماء أصفر ويكثر الذرب في اللحمي والطبلي.
وإذا كان ابتداء الاستسقاء عن ورم في الكبد اشتدت الطبيعة وورم القدمان وكان سعال بلا نفث وتحدث أورام في الجانب الأيمن والأيسر يغيب ثم يظهر وأكثر ذلك في الزقي.
وإن ابتدأ من الخاصرتين والقطن ابتدأ الورم من القدمين وعرض ذرب طويل لا ينحل ولا يستفرغ معه الماء.
والاستسقاء الذي سببه حار تكون معه علامات الحرارة من الالتهاب والعطش واصفرار اللون ومرارة الفم وشدة يبس البدن وسقوط الشهوة للطعام والقيء الأصفر والأخضر وتشتد حرقة البول في آخره لشدة حرارته والذي كان من جنس ما كثر فيه الذوبان واندفع لا إلى المجريين الطبيعيين دلّ عليه كثرة الصفراء وعلامات الذوبان وتقدم برازاً وبول غسالي وصديدي ويبتدئ من ناحية الخاصرتين والقطن.
وكذلك جميع الاستسقاء الكائن عن أمراض حادة.
والاستسقاء الذي سببه بارد يكون بخلاف ذلك وقد تشتد معه شهوة الطعام جداً كما في برد المعدة ثم إذا أفرط المزاج سقطت.
والاستسقاء الذي سببه ورم صلب فيعرف بعلاماته وبالذرب الذي يتبعه وبقلّة الشهوة للطعام.
والذي يكون سببه ورماً حاراً فإنه يبتدئ من جهة الكبد وتنفعل معه الطبيعة وتكون سائر العلامات التي للورم الحار والطحالي يل عليه لون إلى الخضرة وعلل سابقة في الطحال وقد لا تسقط معه الشهوة.
وكذلك إذا كان السبب في الكلي لم تسقط الشهوة في الوقت ولا في القدر سقوطها في الكبدي ويتقدمه علل الكلي وأوراقها وقروحها.
علامات الزقي: الزقي يكون معه ثقل محسوس في البطن وإذا ضرب البطن لم يكن له صوت بل إذا خضخض سمع منه صوت الماء المخضخض وكذلك إذا انتقل صاحبه من جنب إلى جنب ومسه مس الزق المملوء ليس الزق المنفوخ فيه ولا تعبل معه الأعضاء ولا يكبر حجمها كما في اللحمي بل تذبل ويكون على جلدة البطن صقالة الجلد الرطب الممدد وربما ورم معه الذكر وحدثت قيلة الصفن ويكون نبض صاحبه صغيراً متواتراً مائلاً إلى الصلابة مع شيء من التمدد لتمدد الحجب وربما مال في آخره إلى اللين لكثرة الرطوبة.
وإذا كان الاستسقاء الزقي واقعاً دفعة بعد حصاة خرجت من غير أسباب ظاهرة في الكبد فاعلم أن أحد المجريين الحالبين من الكلية قد انخرق.
علامات اللحمي: يكون معه انتفاخ في البدن كله كما يعرض لجسد الميت وتميل الأعضاء صافية وخصوصاً الوجه إلى العبالة ليس إلى الذبول وإذا غمزت بالإصبع في كل موضع من بدنه انغمر وليس في بطنه من الانتفاخ والتخضخض أو الانتفاخ وخروج السرة والتطبّل ما في بطن الزقي والطبلي.
وفي أكثر الأمر يتبعه ذرب ولين طبيعة إلى البياض ونبض موجي عريض لين.
وقد قيل أنه إذا كان بوجه الإنسان أو بدنه أو يده اليسرى رهل وعرض له في مبدأ هذا العارض حكة في أنفه مات في اليوم الثاني أو الثالث.
علامات الطبلي: الطبلي تخرج فيه السرة خروجاً كثيراً ولا يكون هناك من الثقل ما يكون في الزقّي بل ربما كان فيه من التمدد ما ليس في الزقي بل قد يكون كأنه وتر ممدود ولا يكون فيه من عبالة الأعضاء ما في اللحمي بل تأخذ الأعضاء إلى الذبول.
وإذا ضرب البطن باليد سمع صوت كصوت الزقّ المنفوخ فيه ليس الزق المملوء ماء ويكون مشتاقاً إلى الجشاء دائماً ويستريح إليه وإلى خروج الريح.
ونبضه أطول من نبض غيره من المستسقين وليس بضعيف إذ ليس ينهك القوة بكيفية أو ثقل إنهاك الزقي وهو في الأكثر سريع متواتر مائل إلى الصلابة والتمدد ولا يكون فيه من تهيّج الرجلين ما يكون في غيره.
المعالجات علاج سوء القنية: ينظر هل في أبدانهم أخلاط مختلفة مرارية فيسهلون بمثل أيارج فيقرا فإنه يخرج الفضول دون الرطوبات الغريزية.
وإن علم أن أخلاطهم لزجة غليظة أسهلوا بأريارج الحنظل وبما يقع فيه الصبر والحنظل والبسفايج والغاريقون مع السقمونيا والأوزان في ذلك على قدر ما يحدث من رقة الأخلاط وغلظها وقوة البدن وضعفه.
وربما اضطرّ إلى مثل الخربق إن لم ينجح غيره في التنقية وإخراج الفضل اللزج.
ومع هذا كله فيجب أن يرفق في إسهالهَم ويفرّق عليهم السقي وكلما يخلّ أن مادة قد اجتمعت لم يمكن من الثبات بل عوود الاستفراغ ومع ذلك فيجب أن يراعى أمر معدهم لئلا تتأذى بالمسهلات وتجعل مسهلاتهم عطرة بالعود الخام ونحوه.
وإن كانت القوة قوية فلا تكثر الفكر في ذلك وأرح بالمبلغ الكافي.
وبالجملة يجب أن يكون التدبير مانعاً لتوليد الفضول وذلك بالاستفراغات الرقيقة المواترة وليجنبوا الفصد ما أمكن.
فإن كان لا بدّ منه للامتلاء من دمّ أقدم عليه بحذر وتفاريق في أيام ثلاثة أو أربعة.
وأكثر ما يجب الفصد إذا كان السبب احتباس دم بواسير أو طمث والأولى أن يستفرغ أولاً بما ينقّي الدم مثل الأيارج ونحوه ثم إن لم يكن بد كفى أخذ دم قليل.
وكذلك الأحوال لمن بهم حاجة إلى استفراغ ما يخرج الأخلاط بالإسهال ويفتح السدد ثم بما يدرّ ويفتح السدد.
والحقن الملطّفة الحلّلة للرطوبات المسهلة لها نفعة جداً.
فإن استفرغوا كان أولى ما يعالجون به الرياضة المعتدلة وتقليل شرب الماء والاستحمام بالمياه البورقية والكبريتية والشبّية وأن يقيموا عند قرب البحر والحمّامات.
وأما الحمّامات العذبة فتضرّهم إلا أن يستعملوها جافة ويعرقوا في أهويتها الحارة وأن يستعملوا القيء قبل الطعام فإنه نعم التدبير لهم ويجب أن يكون في أوائل الأمر بفجل ينقع في السكنجبين وفي آخره بالخربق وأن يقبلوا على التجفيف ما أمكن وعلى التفتيح وأن يستعملوا في أضمدتهم ومشروباتهم الأدوية المجففة المفتحة الملطفة العطرة مثل السنبل والسليخة والدارصيني والأدوية الملطّفة مثل الأفنتين والكاشم والعافت وبزر الأنجرة والكمافيطوس والزراوند المحرج وعصارة قثاء الحمار والقنطريون وورق المازريون والجاوشير والكاكنج بالخاصية.
ويقع في أدويتهم الكبريت وعصارة قثاء الحمار وأصل المارزيون وورقه والنظرون ورماد السوسن وزبد البحر.
وهذه وأمثالها تصلح لدلوكاتهم في الحمام وتنفعهم الميبة والخنديقون والشراب الريحاني القليل الرقيق وشراب السوسن.
ومما ينفعهم جداً شراب الأفسنتين على الريق.
ومن المعاجين وخصوصاً بعد التنقية الترياق والمثروديطوس ودواء الكركم ودواء اللك والكلكلانج البزوري وربما سقوا من ألبان الإبل الأعرابية وأبوالها وخصوصاً في الأبدان الجاسية القوية وخصوصاً إذا أزمن سوء القنية وكاد يصير استسقاء.
وربما سقوا أوقيتين من أبوال الإبل من سكنجبين إلى نصف مثقال أو أكثر وكذلك في أبوال المعز.
وربما كان الأصوب أن يخلط بها الهليلج الأصفر إن كانت المواد رقيقة صفراوية.
وينفع من الكمّادات تكميد المعدة والكبد بالسنبل والسليخة ونحوها واتخاذ ضمّاد منها بالميسوسن ونحوه ويدام تمريخ بطونهم بمثل البورق والكبريب بالأدهان الحارة المعروفة.
وينفعهم من الضمادات مرهم الكعك بالسفرجل وإن عصا طلوا بإخثار البقر وبعر الماعز.
وإما غذاء صاحب سوء القنية فما فيه لذة وتقوية الطبيعة مثل الدراج والقبج ومرقهما الزيرباج المطيب جداً بمثل القرنفل والدارصيني والزعفران والمصطكي.
وكذلك المصوصات.
ومن الفواكه الرمان والسفرجل القليل منه لا يضرّهم.
ويجب أن يخلط أيضاً بأطعمتهم مثل الخردل والكراث والثوم وما يجري مجراه من غير أن يكثر جداً.